فصل: ثم دخلت سنة اثنتين وخمسين وستمائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ أبي الفداء **


  ذكر سلطنة أيبك التركماني

ثم إن كبراء الدولة اتفقوا على إقامة عز الدين أيبك الجاشنكير الصالحي في السلطنة لأنه إذا استقر أمر المملكة في امـرأة علـى مـا هـو عليـه الحـال تفسـد الأمـور فأقامـوا أيبـك المذكـور وركب بالسناجق السلطانية وحملت الغاشية بين يديه يوم السبت آخر ربيع الآخر من هذه السنة ولقب الملك المعز وأبطلت السكة والخطبة التي كانت باسم شجرة الدر‏.‏

ذكر عقد السلطنة للملك الأشرف موسى بن يوسف صاحب اليمن المعروف باقسيس‏:‏ ابـن الملـك الكامل محمد ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب ثم اجتمعت الأمراء واتفقوا على أنه لا بـد من إقامة شخص من بني أيوب في السلطنة واجتمعوا على إقامة موسى المذكور ولقبوه الملك الأشرف وأن يكون أيبك التركماني أتابكه وأجلس الأشرف موسى المذكور في دست السلطنة وحضرت الأمراء في خدمته يوم السبت لخمس مضين من جمادى الأولى من هذه السنة وكان بغزة حينئذ جماعة من عسكر مصر مقدمهـم خـاص تـرك فسـار إليهـم عسكـر دمشق فاندفعوا من غزة إلى الصالحية بالسائح واتفقـوا علـى طاعـة المغيـث صاحـب الكـرك وخطبوا له بالصالحية يوم الجمعة لأربع مضين من جمادى الآخرة من هذه السنة ولما جـرى ذلك اتفق كبراء الدولة بمصر ونادوا بالقاهرة ومصر أن البلاد للخليفة المستعصـم ثـم جـددت الأيمان للملك الأشرف موسى بالسلطنة ولأيبك التركماني بالأتابكية وفي يـوم الأحـد لخمـس مضين من رجب رحل فارس الدين أقطاي الصالحي الجمدار متوجهاً إلى جهة غـزة ومعـه تقدير ألفي فارس وكان أقطاي المذكور مقدم البحرية فلما وصل إلى غزة اندفع من كان بها من جهة الناصر بين يديه‏.‏

  ذكر تخريب دمياط

وفي هذه السنة اتفق آراء أكابر الدولة وهدموا سور دمياط في العشر الأخير من شعبان هـذه السنـة لمـا حصـل للمسلميـن عليهـا مـن الشـدة مرة بعد أخرى وبنوا مدينة بالقرب منها في البر وسموها المنشية وأسوار دمياط التي هدمت من عمارة المتوكل الخليفة العباسي‏.‏

وفي هذه السنة مستهل شعبان قبض الناصر يوسف صاحب دمشق وحلب علي الناصر داود الذي كان صاحب الكرك وبعث به إلى حمص فاعتقل بها وذلك لأشياء بلغت الناصر يوسف عن المذكور خاف منها‏.‏

مسير الملك الناصريوسف إلى الديار المصرية ذكر مسير السلطان الملك الناصر يوسف صاحب الشام إلى الديار المصرية وكسرته‏:‏ وفي هذه السنة سار الملك الناصر صلاح الدين يوسف ابن الملك العزيز بعساكره من دمشق وصحبته من ملوك أهل بيته الصالح إسماعيل بن العادل بن أيوب والأشرف موسى صاحب حمص وهو حينئذ صاحب تل باشر والرحبة وتدمر والمعظم توران شاه ابن السلطان صلاح الدين وأخو المعظم المذكور نصرة الدين والأمجد حسن والظاهر شاذي ابنا الناصر داود ابـن الملك المعظم عيسى ابن العادل ابن أيوب وتقي الدين عباس ابن الملك العادل بن أيوب ومقدم الجيش شمس الدين لؤلؤ الأرمني وإليه تدبير المملكة فرحلوا من دمشق يوم الأحد منتصف رمضان من هذه السنة ولما بلغ المصريين ذلك اهتموا لقتاله ودفعه وبرزوا إلى السائح وتركوا الأشـرف المسمـى بالسلطـان بقلعـة الجبـل وأفـرج أيبـك التركمانـي حينئذ عن ولدي الصالح إسماعيل وهما المنصور إبراهيم والملك السعيد عبد الملك ابنا الصالح إسماعيل وكانا معتقلين مـن حيـن استيلاء الملك الصالح أيوب على بعلبك وخلع عليهما ليتوهم الناصر يوسف صاحب دمشق من أبيهما الصالح إسماعيل والتقى العسكران المصري والشامي بالقرب من العباسة في يوم الخميس عاشر ذي العقدة من هذه السنة فكانت الكسرة أولاً على عسكر مصر فخامر جماعـة مـن المماليـك التـرك العزيزيـة علـى الملـك الناصر صاحب دمشق وثبت المعز أيبك التركمانـي فـي جماعـة قليلة من البحرية فانضاف جماعة من العزيزية مماليك والد الملك الناصر إلى أيبك التركماني ولما انكسر المصريون وتبعتهم العساكر الشامية ولم يشكوا في النصر بقي الملك الناصر تحت السناجق السلطانية مع جماعة يسيرة من المتعممين لا يتحرك من موضعه فحمل المعز التركماني بمـن معـه عليـه فولـى الملـك الناصـر منهزمـاً طالبـاً جهـة الشـام ثـم حمـل أيبـك التركماني المذكور على طلب شمس الدين لؤلؤ فهزمهم وأخذ شمس الدين لؤلؤ أسيراً فضربت عنقه بين يديه وكذلك أسر الأمير ضياء الديـن القيمـري فضربـت عنقـه وأسـر يومئـذ الملـك الصالح إسماعيل والأشرف صاحب حمـص والمعظـم تـوران شـاه بـن صلـاح الديـن بـن أيـوب وأخـوه نصـرة الديـن ووصـل عسكر الملك الناصر في إثر المنهزمين إلى العباسة وضربوا بها دهليز الملك الناصر وهم لا يشكون أن الهزيمة تمت على المصريين فلما بلغهم هروب الملك الناصر اختلفت آراؤهم فمنهم من أشار بالدخول إلى القاهرة وتملكها ولو فعلوه لما كان بقي مع أيبك التركماني من يقاتلهم به وكان هرب فإن غالب المصريين المنهزمين وصلوا إلى الصعيد ومنهم من أشار بالرجوع إلى الشام وكان معهم تاج الملوك ابن المعظم وهو مجروح وكانت الواقعة يوم الخميس ووصل المنهزمون من المصريين إلى القاهرة في غد الوقعة نهار الجمعة فلم يشك أهل مصـر فـي ملـك الملـك الناصر ديار مصر وخطب له في الجمعة المذكورة بقلعة الجبل وبمصر وأما القاهرة فلم يقم فيها في ذلك النهار خطبة لأحد ثم وردت إليهم البشرى بانتصار البحريـة ودخل أيبك التركماني والبحرية إلى القاهرة يوم السبـت ثانـي عشـر ذي القعـدة ومعـه الصالـح إسماعيل تحت الاحتياط وغيره من المعتقلين فحبسوا بقلعة الجبل وعقيب ذلك أخرج أيبك التركمانـي أميـن الدولـة وزيـر الصالـح إسماعيـل وأستاذ داره يغمور وكانا معتقلين من حين استيـلاء الصالـح أيـوب علـى بعلبـك فشنقهمـا علـى بـاب قلعـة الجبـل رابع عشر ذي القعدة وفي ليلة الأحـد السابـع والعشريـن من ذي القعدة هجم جماعة على الملك الصالح عماد الدين إسماعيل ابن الملك العادل بن أيوب وهو يمص قصب سكر وأخرجوه إلى ظاهر قلعة الجبل من جهة القرافة فقتلوه ودفن هناك وعمره قريب من خمسين سنة وكانت أمه رومية من خطايا الملك العادل‏.‏

وفي هذه السنة بعد هزيمة الملك الناصر صاحب الشام سار فارس الدين ذكر قتل صاحب اليمن وفي هذه السنة وثب على الملك المنصور عمر صاحب اليمن جماعة من مماليكه فقتلوه وهو عمر بن علي بن رسول وكان والده علي بن رسول أستاذ دار الملك المسعود ابن السلطان الملك الكامل فلما سار الملك المسعود قاصداً الشام ومات بمكة على ما تقدم ذكره استناب أستاذ داره علي بن رسول المذكور باليمن فاستقر نائباً بها لبني أيوب وكان لعلـي المذكـور إخوة فأحضروا إلى مصر وأخذوا رهائن خوفاً من تغلب علي بن رسول على اليمن واستمر المذكـور نائبـاً باليمـن حتـى مـات قبـل سنـة ثلاثيـن وستمائـة واستولى على اليمن بعده ولده عمر بن علي لمذكور على ما كان عليه أبوه من النيابة فأرسل من مصر أعمامه ليعزلوه ويكونوا نواباً موضعه فلما وصلوا إلى اليمن قبض عمر المذكور عليهم واعتقلهم واستقل عمر المذكور بملك اليمن يومئذ وتلقب بالملك المنصور واستكثر من المماليك الترك فقتلوه في هذه السنة أعني سنة ثمان وأربعين وستمائة‏.‏

واستقر بعده في ملك اليمن ابنه يوسف بن عمر وتلقب بالملك المظفر وصفا له ملك اليمن وطالت أيام مملكته على ما سنعلمه إن شاء الله تعالى‏.‏

  ثم دخلت سنة تسع وأربعين وستمائة

فيهـا توفي الصاحب محي الدين بن مطروح وكان متقدماً عند الملك الصالح أيوب كان يتولى له لما كان الصالح بالشرق ينظر الجيش ثم استعمله على دمشق ثم عزله وولى ابن يغمور وكان ابن مطروح المذكور فاضلاً في النثر والنظم فمن شعره‏:‏ عانقته فسكرت من طيب الشذا غصن رطيب بالنسيم قد اغتذا نشـوان مـا شـرب المـدام وإنما أضحـى بخمـر رضابـه متنبـذا جاء العذول يلومني من بعدمـا أخـذ الغـرام علـي فيـه مأخـذا لا أرعوي لا أنثني لا أنتهي عن حبه فليهذ فيه مـن هـذى إن عشت عشت على الغرام وإن أمت وجـداً به وصبابة يا حبذا وفيها جهز الملك الناصر يوسف صاحب الشام عسكراً إلى غزة وخرج المصريون إلى السائح وأقاموا كذلك حتى خرجت هذه السنة‏.‏

وفيها توفي علم الدين قيصر بن أبي القاسم بن عبد الغني بن مسافر الفقيه الحنفي المقرئ المعروف بتعاسيف وكان إماماً في العلوم الرياضية اشتغل بالديار المصرية والشام ثم سار إلى الموصـل وقرأ على الشيخ كمال الدين موسى بن يونس علم الموسيقى ثم عاد إلى الشام وتوفي بدمشق في شهر رجب من السنة المذكورة ومولده سنة أربع وسبعين وخمسمائة بأصفون من

  ثم دخلت سنة خمسين وستمائة

ولم يقع لنا فيها ما يصلح أن يؤرخ‏.‏

  ثم دخلت سنة إحدى وخمسين وستمائة

فيها استقر الصلح بين الملك الناصر يوسف صاحب الشام وبين البحرية بمصر على أن يكون للمصريين إلى نهر الأردن وللملك الناصر ما وراء ذلك وكان نجم الدين البادراي رسول الخليفة هو الذي حضر من جهة الخليفة وأصلح بينهم على ذلك ورجع كل منهم إلى مقره‏.‏

وفيها قطع أيبك التركماني خبر حسام الدين بن أبي علي الهذباني فطلب دستوراً فأعطيه وسار إلى الشام فاستخدمه الملك الناصر يوسف بدمشق‏.‏

ذكر أحوال الناصر صاحب الكرك وفيهـا أفـرج الملـك الناصـر يوسـف عـن الملـك الناصـر داود ابـن المعظـم الذي كان صاحب الكرك وكان قد اعتقله بقلعة حمص وذلك بشفاعة الخليفة المستعصم فيه فأفرج عنه وأمره أن لا يسكن في بلاده فرحل الناصر داود المذكور إلى جهة بغداد فلم يمكنوه من الوصول إليها وطلب وديعته الجوهر فمنعوه إياها وكتب الملك الناصر يوسف إلـى ملـوك الأطـراف أنهـم لا يأووه ولا يميروه فبقي الناصر داود في جهات عانة والحديثة وضاقت به الأحـوال وبمـن معـه وانضـم إليه جماعة من غزيه فبقوا يرحلون وينزلون جميعاً ثم لما قوي عليهم الحر ولم يبق بالبرية عشب قصدوا أزوار الفرات يقاسون بن الليـل وهواجـر النهـار وكـان معـه أولـاده وكـان لولـده الظاهر شافي فهد فكان يتصيد في النهار ما يزيد على عشرة غزلان وكان يمضي للملك الناصر داود وأصحابه أياماً لا يطعمون غير لحوم الغزلان واتفق أن الأشرف صاحب تل باشر وتدمر والرحبة يومئذ أرسل إلى الناصر داود مركبين موسقين دقيقاً وشعيراً فأرسل صاحب دمشق وتهـدده علـى ذلـك ثـم إن ناصـر داود قصـد مكانـاً للشرابـي واستجـار بـه فرتـب لـه الشرابي شيئاً دون كفايته وأذن له في النزول بالأنبار وبينها وبين بغداد ثلاثة أيام والناصر في داود مـع ذلـك يتضـرع إلـى الخليفـة المستعصم فلا يجيب ضراعته ويطلب وديعته فلا يرد لهفته ولا يجيبه إلا بالمماطلة والمطاولة وكانت مدة مقامه متنقـلاً فـي الصحـاري مـع غزيـه قريـب ثلاثـة أشهر ثم بعد ذلك أرسل الخليفة وشفع فيه عند الملك الناصر فأذن له في العود إلى دمشق ورتب له مائة ألف درهم على بحيرة فامية وغيرها فلم يتحصل من ذلك إلا دون ثلاثين ألف درهم‏.‏

وفـي هـذه السنـة وصلـت الأخبـار من مكة بأن ناراً ظهرت من عدن وبعض جبالها بحيث كانت تظهر في الليل ويرتفع منها في النهار دخان عظيم‏.‏

  ثم دخلت سنة اثنتين وخمسين وستمائة

وإنما ذكرناها في هذه السنة لأنها كالمتوسطة لمدة ملكهم وهو ما نقلناه مـن الشيـخ الفاضـل ركن الدين بن قوبع التونسي قال‏:‏ والحفصيون أولهم أبو حفص عمر بن يحيى الهنتاتي وهنتاتة - بتائيـن مثناتيـن مـن فوقهمـا - قبيلـة مـن المصامـدة ويزعمـون أنهم قرشيون من بني عدي بن كعب رهط عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان أبو حفص المذكور من أكبر أصحاب ابن تومرت بعـد عبـد المؤمن وتولى عبد الواحد بن أبي حفص إفريقية نيابة عن بني عبد المؤمن في سنة ثلـاث وستمائة ومات سلخ ذي الحجة سنة ثمان عشرة وستمائة فتولى أبو العلاء من بني عبد المؤمـن ثـم توفـي فعـادت إفريقيـة إلـى ولايـة الحفصييـن وتولـى منهم عبد الله بن عبد الواحد بن أبي حفص في سنة ثلاث وعشرين وستمائة‏.‏

ولمـا تولـى ولـى أخاه أبا زكريا يحيى قابس وأخاه أبا إبراهيم إسحاق بلاد الجريد ثم خرج على عبد الله وهو على قابس أصحابه ورجموه وطردوه وولوا موضعه أخاه أبا زكريا بن عبد الواحد سنة اثنتين وستين فنقم بنو عبد المؤمن على أبي زكريا ذلك فأسقط أبو زكريا اسم عبد المؤمن من الخطبة وبقي اسم المهدي وخلع طاعة بني عبد المؤمن وتملك إفريقية وخطب لنفسه بالأمير المرتضى واتسعت مملكته وفتح تلمسان والغرب الأوسط وبلاد الجريد والـزاب وبقي كذلك حتى توفي على بونة سنة سبع وأربعين وستمائة‏.‏

وأنشأ في تونس بنايات عظيمة شامخة وكان عالماً بالأدب وخلف أربعة بنين وهم‏:‏ أبو عبد الله محمد وأبو إسحاق إبراهيم وأبو حفص عمر وأبو بكر وكنيته أبو يحيى وخلف أخوين وهما‏:‏ أبو إبراهيم إسحاق ومحمد اللحياني ابني عبد الواحد بن أبي حفص‏.‏

وكان محمد اللحياني المذكور صالحاً منقطعاً يتبرك به ثم تولى بعده ابنه أبو عبد الله محمد بن أبي زكريا ثـم سعـى عمـه أبـو إبراهيـم فـي خلعـه فخلـع وبايـع لأخيـه محمـد اللحيانـي الزاهـد على كره منه لذلك فجمع أبو عبد الله محمد المخلوع أصحابه في يوم خلعه وشد على عميه فقهرهما وقتلهما واستقر في ملكه وتلقب وخطب لنفسه بالمستنصر بالله أمير المؤمنين أبي عبد الله محمد ابن الأمراء الراشدين‏.‏

وفي أيامه في سنة ثمان وستين وستمائة وصل الفرنسيس إلى إفريقية بجموع الفرنج وأشرفت إفريقية على الذهاب فقصمه الله ومات الفرنسيس وتفرقت تلك الجمـوع‏.‏

وفـي أيامـه خافـه أخـوه أبـو إسحاق إبراهيم بن أبي زكريا فهرب ثم أقام بتلمسان وبقي المستنصر المذكور كذلك حتى توفي ليلة حادي عشر ذي الحجة سنة خمس وسبعين وستمائة‏.‏

فملك ابنه يحيى بن محمد بن أبي زكريا وتلقب بالواثق بالله أمير المؤمنين وكان ضعيف الرأي فتحرك عليه عمه أبو إسحاق إبراهيم الذي هرب وأقام بتلمسان وغلب على الواثق فخلع نفسـه واستقـر أبـو إسحـاق إبراهيـم فـي المملكـة فـي ربيـع الـأول سنـة ثمـان وسبعيـن وستمائـة وخطـب لنفسه بالأمير المجاهد وترك زي الحفصيين وأقام على زي زناتة وعكف على الشرب وفرق المملكـة علـى أولـاده فوثبـت أولـاده على الواثق المخلوع وذبحوه وذبحوا معه ولديه الفضل والطيب ابن يحيى الواثق المذكور وسلم للواثق ابن صغير تلقب أبا عصيـدة لأنهـم يصنعـون للنفساء عصيدة فيها أدوية ويهدى منها للجيران وعلمت أم الصبي ذلك فلقب ولدهـا بأبـي عصيدة ثم ظهر إنسان ادعى أنه الفضل بن الواثق الذي ذبح مع ابنه واجتمعت عليه الناس وقصـد أبا إسحاق إبراهيم وقهره فهرب أبو إسحاق إلى بجاية وبها ابنه أبو فارس عبد العزيز بـن إبراهيـم فتـرك أبـو فـارس أبـاه ببجاية وسار بأخويه وجمعه إلى الداعي بتونس والتقى الجمعان فانهزم عسكر بجاية وقتل أبو فارس وثلاثة من إخوته وأنجاله أخ اسمه يحيى بن إبراهيم وعمه أبو حفص عمر بن أبي زكريا‏.‏

ولما هزم الداعي عسكر بجاية وقتل المذكورين أرسل إلى بجاية من قتل أبا إسحاق إبراهيم وجاء برأسه ثم تحدث الناس بدعوة الداعي واجتمعت العرب على عمر بن أبي زكريا بعد هروبه من المعركة وقوي أمره وقصد الداعي ثانياً بتونس وقهره واستتر الداعي في دور بعض التجار بتونس ثم أحضر واعترف بنسبه وضربت عنقه‏.‏

فكان الداعي المذكـور مـن أهـل بجاية واسمه أحمد بن مرزوق بن أبي عمار وكان أبوه يتجر إلى بلاد السودان وكان الداعي المذكور محارفاً قصيفاً وسار إلى ديار مصر ونزل بدار الحديث الكاملية ثم عاد إلى المغرب فلمـا مـر علـى طرابلس كان هناك شخص أسود يسمى نصيراً كان خصيصاً بالواثق المخلوع قد هـرب لمـا جـرى للواثـق مـا جـرى وكـان فـي أحمـد الداعـي بعـض الشبـه من الفضل بن الواثق فدبر مع نصير المذكور الأمر فشهد له أنه الفضل بن الواثق فاجتمعت عليه العرب وكان منه ما ذكرناه حتى قتل وكان الداعي يخطب له بالخليفة الإمام المنصور بالله القائم بحق الله أمير المؤمنين ابن أمير المؤمنين أبي العباس الفضل‏.‏

ولما استقر أبو حفص عمر في المملكة وقتل الداعي تلقب بالمستنصر بالله أمير المؤمنين وهو المستنصـر الثانـي ولمـا استقـر فـي المملكـة سـار ابـن أخيـه يحيـى ابـن إبراهيـم بـن أبـي زكريـا الـذي سلم من المعركة إلى بجاية وملكها وتلقب بالمنتخب لإحياء دين الله أمير المؤمنين واستمر المستنصر الثانـي أبـو حفـص عمـر ابـن أبـي زكريـا فـي مملكتـه حتـى توفـي وفـي أوائل المحرم سنة خمس وتسعين وستمائة ولما اشتد مرضه بايع لابن له صغير فاجتمعت الفقهاء وقالوا له‏:‏ أنت صائر إلى الله وتولية مثل هذا لا يحل فأبطل بيعته وأخرج ولد الواثق المخلوع الذي كان صغيراً وسلم من الذبـح الملقـب بأبي عصيدة وبويع صبيحة موت أبي حفص عمر الملقب بالمستنصر‏.‏

وكان اسم أبي عصيدة المذكور أبا عبد الله محمد وتلقب أبو عصيدة بالمستنصر أيضاً وهو المستنصر الثالث وتوفي في أيامه صاحب بجاية المنتخب يحيى بن إبراهيم بن أبي زكريا وملك بعده بجاية ابنه خالد بن يحيى وبقي أبو عصيدة لذلك حتى توفي سنة تسع وسبعمائة‏.‏

فملك بعده شخص من الحفصيين يقال له أبو بكر بن عبد الرحمن بن أبي بكر ابن أبي زكريا بن عبد الواحد بن أبي حفص صاحب ابن تومرت وأقام في الملك ثمانية عشر يوماً ثم وصل خالد بن المنتخب صاحب بجاية ودخل تونس وقتل أبا بكر المذكور في سنة تسع وسبعمائة‏.‏

ولما جرى ذلك كان زكريا اللحياني بمصر فسار مع عسكر السلطان الملك الناصر خلد الله ملكه إلى طرابلس الغرب وبايعه العرب وسار إلى تونس فخلع خالد بن المنتخـب وحبـس ثـم قتل قصاصاً بأبي بكر ابن عبد الرحمن المقدم الذكر واستقر اللحياني في ملك إفريقية وهو ابن يحيى زكريا بن أحمد بن محمد الزاهد اللحياني بن عبد الواحد بن أبي حفص صاحب ابن تومرت‏.‏

ثم تحرك على اللحياني أخو خالد وهو أبو بكر بن يحيى المنتخب فهرب اللحياني إلى ديار مصر وأقام بالإسكندرية وملك أبو بكر المذكور تونس وما معها خلا طرابلس والمهدية فإنه بعد هروب اللحياني بايع ابنه محمد بن اللحياني لنفسه واقتتل مع أبي بكر فهزمه أبو بكر واستقـر محمد بن اللحياني بالمهدية وله معها طرابلس وكان استيلاء أبي بكر وهروب اللحياني إلـى ديـار مصـر فـي سنـة تسـع وعشـرة وسبعمائـة‏.‏

وأقـام اللحيانـي فـي الإسكندرية ثم وردت عليه مكاتبـات مـن تونـس فـي ذي القعـدة سنـة إحدى وعشرين وسبعمائة إلى الإسكندرية يذكرون فيها أن أبا بكر متملك تونس المذكور قد هرب وترك البلاد وأن الناس قد اجتمعوا على طاعة اللحياني وبايعوا نائبه وهو محمد بن أبي بكر من الحفصيين وهو صهر زكريا اللحياني المذكور وهم في انتظار وصول اللحياني إلى مملكته أقول وقد بقيت مملكة إفريقية فهرب منها لضعفها بسبب استيلاء العرب عليها‏.‏

ذكر مقتل أقطاي في هذه السنة اغتـال الملـك المعـز أيبـك التركمانـي المستولـى علـى مصـر خوشداشـه أقطـاي الجمدار وأوقف له في بعض دهاليز الدور التي بقلعة الجبل ثلاثة مماليك وهم قطز وبهادر وسنجر الغتمي فلما مر بهم فارس الدين أقطاي ضربوه بسيوفهم فقتلوه ولما علمت البحرية بذلك هربوا من ديار مصر إلى الشام وكان الفارس أقطاي يمنع أيبك من الاستقلال بالسلطنة وكان الاسم للملك الأشرف موسى بن يوسف بن يوسف ابن الملك الكامل محمد ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب‏.‏

فلما قتل أقطاي استقل المعز التركماني بالسلطنة وأبطل الأشرف موسى المذكور منها بالكلية وبعـث بـه إلـى عماتـه القطبيات وموسى المذكور آخر من خطب له من بيت أيوب بالسلطنة في مصر وكان انقضاء دولتهـم مـن الديـار المصريـة فـي هـذه السنـة علـى مـا شرحنـاه ووصلـت البحرية إلى الملك الناصر يوسف صاحب الشام وأطمعوه في ملك مصر فرحل من دمشق بعسكـر ونـزل عمقـاً مـن الغـور وأرسل إلى غزة عسكراً فنزلوا بها وبرز المعز أيبك صاحب مصر إلى العباسة وخرجت السنة وهم على ذلك‏.‏

وفيها قدمت ملكة خاتون بنـت كيقبـاذ ملـك بلـاد الـروم إلـى زوجهـا الملـك الناصـر يوسـف صاحب الشام‏.‏

وفيها ولي الملك المنصور صاحب حماة قضاء حماة للقاضي شمس الدين إبراهيم بن هبة الله بن البارزي بعد عزل القاضي المحيي حمزة بن محمد‏.‏

  ثم دخلت سنة ثلاث وخمسين وستمائة

فيها عزمت العزيزية المقيمون مع المعز أيبك على القبض عليه وعلم بذلك واستعد لهم فهربوا من مخيمهم على العباسـة علـى حميـة واحتيـط علـى وطاقاتهم جميعها‏.‏

وفي هذه السنة مشى نجم الدين الباذراي في الصلح بين المصريين والشاميين واتفق الحال أن يكون للملك الناصر الشام جميعـه إلـى العريـش ويكـون الحـد بيـن القاضـي وهـو بيـن الـورادة والعريش وبيد المعز أيبك الديار المصرية وانفصل الحال على ذلك ورجع كل إلى بلده‏.‏

وفـي هـذه السنـة أو التـي قبلهـا تـزوج المعـز أيبـك شجـرة الـدر أم خليـل التـي خطـب لهـا بالسلطنة في ديار مصر‏.‏

وفيها طلب الملك الناصر داود من الملك الناصر يوسف دستوراً إلـى العـراق بسبـب طلـب وديعته من الخليفة وهي الجوهر الذي تقدم ذكره وأن يمضي إلى الحج فأذن له الناصر يوسف فـي ذلـك فسار الناصر داود إلى كربلاء ثم مضى منها إلى الحج ولما رأى قبر النبي صلى الله عليه وسلم تعلق في أستار الحجرة الشريفة بحضور الناس وقال‏:‏ اشهدوا أن هذا مقامي من رسـول اللـه صلـى الله عليه وسلم داخلاً عليه مستشفعاً به إلى ابن عمه المستعصم في أن يرد علي وديعتي فأعظم الناس ذلك وجـرت عبراتهـم وارتفـع بكاؤهـم وكتـب بصـورة مـا جـرى مشروح ورفع إلى أمير الحاج كيخسرو وذلك يوم السبت الثامن والعشرين من ذي الحجة من هذه السنة وتوجه الناصر داود مع الحاج العراقي وأقام ببغداد‏.‏

  ثم دخلت سنة أربع وخمسين وستمائة

فيها مات كيخسرو ملك بلاد الروم وأقيم في السلطنة ولداه الصغيران عز الدين كيكاؤوس وركن الدين قليج أرسلان‏.‏

وفيها توجه كمال الدين المعروف بابن العديم رسولاً من الملك الناصر يوسف صاحب الشام إلى الخليفة المستعصم وصحبته تقدمة جليلة وطلب خلعة من الخليفة لمخدومه ووصل مـن جهـة المعـز أيبـك صاحـب مصـر شمـس الديـن سنقـر الأقـرع وهـو مـن مماليـك المظفر غازي صاحب ميافارقين إلى بغداد بتقدمة جليلة وسعى في تعطيل خلعة الناصر يوسف صاحب دمشق فبقي الخليفة متحيراً ثم إنه أحضر سكيناً من اليسم كبيرة وقال الخليفة لوزيره‏:‏ أعط هـذه السكيـن رسـول صاحـب الشـام علامـة مني في أن له خلعة عندي في وقت آخر وأما في هذا الوقت فلا يمكني فأخذ كمال الدين ابن العديم السكين وعاد إلى الناصر يوسف بغير خلعة‏.‏

ذكر غير ذلك فيها جرى للناصر داود مع الخليفة ما صورته أنه لما أقـام ببغـداد بعـد وصولـه مـع الحجـاج واستشفاعـه بالنبـي صلى الله عليه وسلم في رده وديعته أرسل الخليفة المستعصم من حاسب الناصر داود المذكور على ما وصله في ترداده إلى بغـداد مـن المضيـف مثـل اللحـم والخبـز والحطب والعليف والتبن وغير ذلك وثمن عليه ذلك بأغلى الأثمان وأرسل إليـه شيئـاً نـزراً وألزمه أن يكتب خطه بقبض وديعته وأنه ما بقي يستحق عند الخليفة شيئاً فكتب خطـه بذلك كرهاً وسار عن بغداد وأقام مع العرب‏.‏

ثم أرسل إليه الناصر يوسف بن العزيز بن غازي بن يوسف صاحب الشام فطيب قلبه وحلف له فقدم الناصر داود إلى دمشق ونزل بالصالحية‏.‏

وفي هذه السنة يوم الأحد ثالث شوال توفي سيف الدين طغريل مملوك الملك المظفر محمود صاحب حماة وكان قد زوجه المظفر المذكور بأخته وقام بتدبير مملكة حماة بعد وفاة الملك المظفر حتى توفي في التاريخ المذكور‏.‏